موقف الدعاة والعلماء من كثرة انتشار الباطل
لسماحة الشيخ / عبد العزيز بن باز
إن هداية الناس ثمرة لانتشار العلم الشرعي بين الناس ، ولكن من الملاحظ أن الباطل أكثر انتشارا عبر الصحافة وكافة وسائل الإعلام ومناهج التدريس . فما موقف الدعاة والعلماء من هذا ؟
ج : هذه واقعة منتشرة في الزمان كله ، وحكمة أرادها الله سبحانه ، كما قال تعالى : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } (1) ويقول سبحانه : { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } (2)
لكن هذا يختلف ففي بلاد يكثر وفي بلاد يقل ، وفي قبيلة يكثر وفي قبيلة يقل . وأما بالنسبة إلى الدنيا فأكثر الخلق على غير الهدى ، ولكن هذا يتفاوت بالنسبة إلى بعض الدول وفي بعض البلاد وبعض القرى وبعض القبائل .
فالواجب على أهل العلم أن ينشطوا وأن لا يكون أهل الباطل أنشط منهم . بل يجب أن يكونوا أنشط من أهل الباطل في إظهار الحق والدعوة إليه أينما كانوا : في الطريق وفي السيارة وفي الطائرة وفي المركبة الفضائية وفي بيته وفي أي مكان ، عليهم أن ينكروا المنكر بالتي هي أحسن ، ويعلموا بالتي هي أحسن ، بالأسلوب الطيب والرفق واللين . يقول الله عز وجل : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (3) ويقول سبحانه { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } (4) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من دل على خير فله مثل أجر فاعله » (5) ويقول صلى الله عليه وسلم : « إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه » (6) .
فلا يجوز لأهل العلم السكوت وترك الكلام للفاجر والمبتدع والجاهل فإن هذا غلط عظيم ، ومن أسباب انتشار الشر والبدع واختفاء الخير وقلته وخفاء السنة . فالواجب على أهل العلم أن يتكلموا بالحق ويدعوا إليه وأن ينكروا الباطل ويحذروا منه ، ويجب أن يكون ذلك عن علم وبصيرة ، كما قال الله عز وجل : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ } (7) وذلك بعد العناية بأسباب تحصيل العلم من الدراسة على أهل العلم وسؤالهم عما أشكل وحضور حلقات العلم ، والإكثار من تلاوة القرآن الكريم وتدبره ، ومراجعة الأحاديث الصحيحة حتى تستفيد وتنشر العلم كما أخذته عن أهله بالدليل مع الإخلاص والنية الصالحة والتواضع ، ويجب أن تحرص على نشر العلم بكل نشاط وقوة ، وألا يكون أهل الباطل أنشط في باطلهم ، وأن تحرص على نفع المسلمين في دينهم ودنياهم .
وهذا واجب العلماء شيوخا وشبابا أينما كانوا بأن ينشروا الحق بالأدلة الشرعية ، ويرغبوا الناس فيه ، وينفروهم من الباطل ، ويحذروهم منه ؛ عملا بقوله عز وجل : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } (8) وقوله سبحانه : { وَالْعَصْرِ } (9) { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ } (10) { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } (11)
هكذا يكون أهل العلم أينما كانوا ، يدعون إلى الله ويرشدون إلى الخير ، وينصحون لله ولعباده بالرفق فيما يأمرون به وفيما ينهون عنه وفيما يدعون إليه ، حتى تنجح دعوتهم ، ويفوز الجميع بالعاقبة الحميدة والسلامة من كيد الأعداء . والله المستعان .
****** *****