الرد رقم (12) على قولهم أن مسألة الخروج على الحكام الظلمة أو الفسقة مسألة خلافية وليس فيها إجماع بل الإجماع لا ينعقد وغير ثابت لوجود المخالف ويقولون لا يتصور إجماع مع وجود المخالف وقد خالف فلان وفلان …إلخ
الرد على الشبهة:
أن هؤلاء الدعاة في تصوري لا يعرفون كيف ينعقد الإجماع في أصول الاعتقاد أو أصول السنة أو ربما يعلمون لكنهم يتبعون أهوائهم.
الإجماع على أصول السنة أو أصول الاعتقاد يتحقق بتتابع ذكر أئمة السلف والسنة وعلماء الأمصار لهذا الأصل و ما يدينون به لله وتعتقده الأفئدة وما تنطق به ألسنتهم أو كتابة هذا الأصل في كتبهم ومصنفاتهم أو رسائلهم أو دونه أهل العلم في الاعتقاد
فوجود المخالف لأصل من أصول السنة لا يجعل لأهل السنة خلاف أو يقال لأهل السنة قولان أو مذهبان .
فهناك من خالف في مسمى الإيمان وهناك من خالف في مسألة الخروج على الأئمة وهي المسألة التي نحن بصددها والإجماعات ثابتة بل ومتواترة كما تقدم.
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ([1]):
الإجماع الذي يذكر في العقائد غير الإجماع الذي يذكر في الفقه .
إجماع أهل العقائد معناه أنه لا تجد أحدا من أئمة الحديث والسنة يذكر غير هذا القول ويرجحه ، هذا معناه الإجماع ، وإذا خالف أحد ، واحد أو نحوه فلا يعد خلافا ، لأنه يعد خالف الإجماع ، فلا يعد قولا آخر ، فنجد أنه مثلا أنهم أجمعوا على أن الله جل وعلا له (صورة) وذلك لأنه لا خلاف بينهم على ذلك كلهم يوردون ذلك ، فأتى (ابن خزيمة) رحمه الله تعالى رحمة واسعة فنفى حديث الصورة وتأوله – يعني حديث الخاص (أن الله خلق آدم على صورة الرحمن) وحمل حديث (خلق الله آدم على صورته) يعني على أو إنه قول آخر ، فإذن الإجماع في العقائد يعني أن أهل السنة والجماعة تتابعوا على ذكر هذا بدون خلاف بينهم مثل مسألة الخروج على أئمة الجَور ، على ولاة الجور من المسلمين ، هذا كان فيه خلاف فيها عند بعض التابعين وحصلت من هذا وقائع ، وتبع التابعين ، والمسألة تذكر بإجماع ، يقال أجمع أهل السنة والجماعة على أن السمع غير صورة الرحمن ، وأنكر ذلك ، وهذا عُدّ من غلطاته رحمه الله ولم يُقل إن ذلك فيه خلاف للإجماع والطاعة وعدم الخروج على أئمة الجور واجب ، وهذا مع وجود الخلاف عند بعض التابعين وتبع التابعين لكن ذلك الخلاف قبل أن تَقَرّرَ عقائد أهل السنة والجماعة ، ولما بُيِّنَت العقائد وقُرِّرَت وأوضحها الأئمة وتَتَبَّعوا فيها الأدلة وقرروها تتابع الأئمة على ذلك وأهل الحديث دون خلاف بينهم ، ففي هذه المسألة بخصوصها رُدَّ على من سلك ذلك المسلك من التابعين ومن تبع التابعين لأن هذا فيه مخالفة للأدلة فيكون خلافهم غيرَ معتبر لأنه خلافٌ للدليل ، وأهل السنة الجماعة على خلاف ذلك القول ، إذن الخلاصة أن مسألة الإجماع معناها أن يتتابع العلماء على ذِكْر المسألة العقدية ، إذا تتابعوا على ذِكرها بدون خلاف فيقال أجمع أهل السنة والجماعة على ذلك . أهـــ.
وفي الحقيقة لا أستطيع أن أسرد الإجماعات الثابتة التي حكاها الأئمة فهذا تكرار لما سبق لكني سأذكر بعض الإجماعات التي تبين أيضاً كيف تنعقد على ضوء ما سبق توضيحه أن الإجماع على أصول السنة أو أصول الاعتقاد يتحقق بتتابع ذكر أئمة السلف والسنة وعلماء الأمصار لهذا الأصل وكتابة ما يدينون به لله وتعتقده الأفئدة وما تنطق به ألسنتهم أو وكتابة هذا الأصل في كتبهم ومصنفاتهم أو رسائلهم أو دونه أهل العلم في الاعتقاد
في كتاب العقيدة للإمام الخلال([2]) قال الإمام أحمد :
مَذَاهِب أهل الْعلم وَأَصْحَاب الاثر وَأهل السّنة المتمسكين بعروتها المعروفين بهَا المقتدى بهم فِيهَا من لدن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الى يَوْمنَا هَذَا وادركت من أدْركْت من الْعلمَاء أهل الْحجاز وَالشَّام وَغَيرهم عَلَيْهَا فَمن خَالف شَيْئا من هَذِه الْمذَاهب اَوْ طعن فِيهَا اَوْ عَابَ قَائِلهَا فَهُوَ مُخَالف مُبْتَدع خَارج عَن الْجَمَاعَة زائل عَن مَنْهَج السّنة وسبيل الْحق
ومنها:والإنقياد إلى من ولاهُ الله أمركم لا تنزعوا يداً من طاعتِهِ ولا تخرجْ عليه بسيفكَ حتى يجعلَ الله لك خرجاً ومخرجاً ولا تخرج على السلطان وتسمع وتطيع ولا تنكث بيعة فمن فعل ذلك فهو مبتدعٌ مخالفٌ مفارقٌ للجماعةِ وإن أمرَكَ السُّلطان بأمر هو لله معصية فليس لك أن تطيعه البتة وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه أهـ.
الإمام أحمد يحكي الإجماع عن التابعين وأئمة المسلمين والسلف وفقهاء الأمصار
قال الإمام أحمد([3]) :أجمعَ تسعون رجلاً من التابعين وأئمة المسلمين وأئمة السلف وفقهاء الأمصار على أن السنة التي توفي عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أولها الرضى بقضاء الله تعالى والتسليم لأمره…..إلخ إلى أن قال: والجهادُ مع كلِّ خليفةٍ برٍّ وفاجر …. والصبر تحت لواءِ السُّلطان على ما كان منه من عدل أو جور ولا نخرج على الأمراءِ بالسَّيفِ وإن جَارُوا أهـ مختصرا
نقل الطحاوي إجماع فقهاء الملة والاعتقاد عن أبي حنفية وكبار أصحابه
قال أبو جعفر الطحاوي([4]) : هذا ذكرُ بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة : أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين وما يَعْتَقِدُونَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَيَدِينُونَ بِهِ رَبَّ العالمين.
وذكر منها: وَلَا نَرَى الْخُرُوجَ عَلَى أَئِمَّتِنَا وَوُلَاةِ أُمُورِنَا وإن جاروا ولا ندعوا عَلَيْهِمْ وَلَا نَنْزِعُ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِمْ وَنَرَى اعَتَهُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرِيضَةً مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةٍ وَنَدْعُو لَهُمْ بِالصَّلَاحِ والمعافاة. أهـ
وحكى الإجماع الإمام البخاري
أخرج اللاكائي([5]) بسنده إلى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبُخَارِيَّ بِالشَّاشِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ: ” لَقِيتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَوَاسِطَ وَبَغْدَادَ وَالشَّامِ وَمِصْرَ لَقِيتُهُمْ كَرَّاتٍ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ ثُمَّ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ , أَدْرَكْتُهُمْ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً , أَهْلَ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْجَزِيرَةِ مَرَّتَيْنِ وَالْبَصْرَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي سِنِينَ ذَوِي عَدَدٍ بِالْحِجَازِ سِتَّةَ أَعْوَامٍ , وَلَا أُحْصِي كَمْ دَخَلْتُ الْكُوفَةَ وَبَغْدَادَ مَعَ مُحَدِّثِي أَهْلِ خُرَاسَانَ , مِنْهُمُ الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى …….وأخذ يذكر من الأئمة وذكر من أصول السنة
إلى أن قال: وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ثَلَاثٌ لَا يَغُلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ , وَطَاعَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ , وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ , فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ” , ثُمَّ أَكَّدَ فِي قَوْلِهِ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] . وَأَنْ لَا يَرَى السَّيْفَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إجماع المزني من أصحاب الشافعي
قال المزني([6]) من أصحاب الشافعي : وَالطَّاعَة لأولي الْأَمر فِيمَا كَانَ عِنْد الله عز وَجل مرضيا وَاجْتنَاب مَا كَانَ عِنْد الله مسخطا.
وَترك الْخُرُوج عِنْد تعديهم وجورهم وَالتَّوْبَة إِلَى الله عز وَجل كَيْمَا يعْطف بهم على رعيتهم
إلى أن قال([7]):هَذِه مقالات وأفعال اجْتمع عَلَيْهَا الماضون الْأَولونَ من أَئِمَّة الْهدى وبتوفيق الله اعْتصمَ بهَا التابعون قدوة ورضى وجانبوا التَّكَلُّف فِيمَا كفوا فسددوا بعون الله ووفقوا لم يَرْغَبُوا عَن الِاتِّبَاع فيقصروا وَلم يُجَاوِزُوهُ تزيدا فيعتدوا فَنحْن بِاللَّه واثقون وَعَلِيهِ متوكلون وَإِلَيْهِ فِي اتِّبَاع آثَارهم راغبون أهـ
أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان يحكيان الإجماع
وأخرج ايضاً اللاكائي([8]) بسنده إلى أبي مُحَمَّدٍ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي حَاتِمٍ , قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ , وَمَا أَدْرَكَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ , وَمَا يَعْتَقِدَانِ مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَا: ” أَدْرَكْنَا الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ حِجَازًا وَعِرَاقًا وَشَامًا وَيَمَنًا فَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِم
الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ……. إلى أن قال:
وَنُقِيمُ فَرْضَ الْجِهَادِ وَالْحَجِّ مَعَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ دَهْرٍ وَزَمَانٍ. وَلَا نَرَى الْخُرُوجَ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا الْقِتَالَ فِي الْفِتْنَةِ , وَنَسْمَعُ وَنُطِيعُ لِمَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرَنَا وَلَا نَنْزِعُ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ , وَنَتَّبِعُ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ , وَنَجْتَنِبُ الشُّذُوذَ وَالْخِلَافَ وَالْفُرْقَةَ.
حكى حرب الكرماني صاحب أحمد الإجماع عن مذاهب أهل العلم و أصحاب الأثر و أهل السنة
قال الإمام ابن القيم([9]): و قد ذكرنا في أول الكتاب جملة من مقالات أهل السنة و الحديث التي أجمعوا عليها كما حكاهُ الاشعري عنهم و نحن نحكي إجماعَهم كما حكاهُ حربٌ صاحب الإمام أحمد عنهم بلفظه.
في مسائِلِهِ المشهورة
هَذِه مَذَاهِب أهل الْعلم وَأَصْحَاب الأثر وَأهل السّنة المتمسكين بعروتها المعروفين بهَا المقتدى بهم فِيهَا من لدن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلى يَوْمنَا هَذَا وأدركت من أدْركْت من الْعلمَاء أهل الْحجاز وَالشَّام وَغَيرهم عَلَيْهَا فَمن خَالف شَيْئا من هَذِه الْمذَاهب اَوْ طعن فِيهَا اَوْ عَابَ قَائِلهَا فَهُوَ مُخَالف مُبْتَدع خَارج عَن الْجَمَاعَة زائل عَن مَنْهَج السّنة وسبيل الْحق قال و هو مذهب أحمد و إسحاق بن إبراهيم و عبد الله بن مخلد و عبد الله بن الزبير الحميدي و سعيد بن منصور و غيرهم كمن جالسنا و أخذنا عنهم العلم و كان من قولهم أن الإيمان قول و عمل …….إلى أن قال : لا تنزع يداً من طاعَتِهِ و لا تخرج عليه بسيفٍ حتى يجعلَ اللهُ لك فرجاً و مخرجاً و لا تخرج على السُّلطان و تسمع و تطيع و لا تنكث بيعتَهُ فمن فعل ذلك فهو مبتدعٌ مخالفٌ مفارق للسنة للجماعة و إن أمركَ السلطان بأمرٍ فيه لله معصية فليس لك أن تطيعَهُ البتة و ليس لك أن تخرُج عليه و لا تمنعه حقه أهـ.
وحكى الإجماع أبو محمد بن عبد الله البصري
رواه عنه شيخ الإسلام ابن تيمية
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ([10]) : قال أبو مُحمد في كتابهِ هذا الذي صنَّفه في أصول السنة والتوحيد قال : ( وكان إجماعُ السلف والخلف وأئمة الدين وفقهاء المسلمين من شرقٍ وغربٍ وسهلٍ وجبلٍ وسائر أقاليم الإسلام من مغرب ومصر وشام وعراق وحجاز ويمن وبحر وخراسان مجتمعين : على أن عقيدة السنة أربع عشرة خصلة
وذكر منها: وإثبات الإمامة وترك الخروج على أحد منهم
إلى أن قال : فمن خالفَ شيئا من هذا فقد خالفَ اعتقادَ السنة والجماعة وهذا مما لا شُبهة فيه بينَ أصحابِ الحديثِ والفقهاءِ والعلماءِ من سَائِرِ الأقَالِيم أهـ.
والإجماعات كثيرة اخترت من ذكر بعضها ما يبين المقصود وبهذا يظهر لك أن كلام المخالفين مغاير لما يقول أهل السنة تماماً فلا تغتر به.
وهنا أمر لا بد من بيانه
الأئمة الذين حكوا الإجماعات يعلمون من خالف هذا أمر لا يخفى عليهم ولا يمنعهم ذلك من نقل الإجماع لأن من خالف لا يعتبر بخلافه كما تقدم
*********** **********
الشيخ / أبو مصعب سيد بن خيثمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ