الرئيسية / العقيدة / ردود على الشبهات / رقم (20) الرد على شبهة أن الخروج على الولاة من باب إنكار المنكر ويستدلون بحديث { مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ …}

رقم (20) الرد على شبهة أن الخروج على الولاة من باب إنكار المنكر ويستدلون بحديث { مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ …}

رقم (20) الرد على شبهة أن الخروج على الولاة من باب إنكار المنكر

ويستدلون بحديث { مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ …}

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ »([1]). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

والمخالفون يستدلون بهذا الحديث على الخروج على الولاة الظلمة ويقولون هو من باب  الأمر بالمعروف وجوب إنكار المنكر وهذا غير صحيح .

فهذا الحديث من الأحاديث العامة أو من العمومات وأحاديث الصبر على جور الولاة والنهي عن منازعتهم أخص فيقدم الخاص على العام كما تقدم.

والثاني: أن المنكر لا يزال بما هو أنكر منه  ومن هذا الباب إنكار المنكر على الولاة بالخروج عليهم.

قال ابن القيم([2]): أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – شَرَعَ لِأُمَّتِهِ إيجَابَ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ لِيَحْصُلَ بِإِنْكَارِهِ مِنْ الْمَعْرُوفِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَإِذَا كَانَ إنْكَارُ الْمُنْكَرِ يَسْتَلْزِمُ مَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ وَأَبْغَضُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسُوغُ إنْكَارُهُ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ يُبْغِضُهُ وَيَمْقُتُ أَهْلَهُ، وَهَذَا كَالْإِنْكَارِ عَلَى الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ بِالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهُ أَسَاسُ كُلِّ شَرٍّ وَفِتْنَةٍ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ، وَقَدْ اسْتَأْذَنَ الصَّحَابَةُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي قِتَالِ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، وَقَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ فَقَالَ: لَا، مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ» وَقَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ مَا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِ» وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا جَرَى عَلَى الْإِسْلَامِ فِي الْفِتَنِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ رَآهَا مِنْ إضَاعَةِ هَذَا الْأَصْلِ وَعَدَمِ الصَّبْرِ عَلَى مُنْكَرٍ؛ فَطَلَبَ إزَالَتَهُ فَتَوَلَّدَ مِنْهُ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْه أهــ.

فلا يجوز إنكار المنكر على الولاة باليد والإنكار عليهم بالوعظ والتخويف من باب النصيحة

قال ابن مفلح([3]):وَلَا يُنْكِر أَحَد عَلَى سُلْطَان إلَّا وَعْظًا لَهُ وَتَخْوِيفًا أَوْ تَحْذِيرًا مِنْ الْعَاقِبَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَإِنَّهُ يَجِب وَيَحْرُم بِغَيْرِ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْره.اهـ

قال الشوكاني([4]):  قَوْلُهُ: (فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يَنْزِعَن يَدًا مِنْ طَاعَةٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ مَا يَفْعَلُهُ السُّلْطَانُ مِنْ الْمَعَاصِي كَفَاهُ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ. وَفِي الصَّحِيحِ: «فَمَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ»وَيُمْكِنُ حَمْلُ حَدِيثِ الْبَابِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّغْيِيرِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُخْتَصًّا بِالْأُمَرَاءِ إذَا فَعَلُوا مُنْكَرًا لِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ تَحْرِيمِ مَعْصِيَتِهِمْ وَمُنَابَذَتِهِمْ، فَكَفَى فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ مُجَرَّدُ الْكَرَاهَةِ بِالْقَلْبِ، لِأَنَّ فِي إنْكَارِ الْمُنْكَرِ عَلَيْهِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ تَظَهُّرًا بِالْعِصْيَانِ، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى الْمُنَابَذَةِ بِالسَّيْفِ.أهـ

ومن المهم جدا مناصحة الولاة سرا وقد تقدم ذلك في الكلام على نصيحة الأمراء.

وقتال الولاة بالسيف من باب إنكار المنكر هو مذهب الخوارج والمعتزلة والزيدية والرفضة وطائقة من الفقهاء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ([5])  :

 عن الذين يقاتلون الأئمة : فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ كَمَا يَرَاهُ مَنْ يُقَاتِلُ وُلَاةَ الْأَمْرِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالزَّيْدِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ. أهـ.

واعلم أن الخروجَ على الولاةِ إذا فَعَلُوا المنكرات هو طريقة الخوارج والمعتزلة.

قال ابن النحاس([6]):الخَوَارِجُ والمُعْتَزِلَةُ ، الذِّينَ يَرَونَ الخُرُوجَ على السُّلطَان إذا فَعَلَ مُنكَرا أهـ

 وقال شيخ الإسلام([7]):

وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لُزُومُ الْجَمَاعَةِ وَتَرْكُ قِتَالِ الْأَئِمَّةِ وَتَرْكُ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْأَهْوَاءِ – كَالْمُعْتَزِلَةِ – فَيَرَوْنَ الْقِتَالَ لِلْأَئِمَّةِ مِنْ أُصُولِ دِينِهِمْ.أهـ

                               ******  * *****

الشيخ/ أبو مصعب سيد بن خيثمة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) صحيح: أخرجه مسلم  في ك الإيمان باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان (ح70).

([2])  إعلام الموقعين (ج3/ 12).

([3])  الآداب الشرعية (ج1| 175).

([4]) نيل الأوطار (ج7/ 206،207).  

([5]) منهاج السنة النبوية (3/392)

([6])  تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين (ص64).

([7]) مجموع الفتاوى (ج28/ 128).       

عن khithma